إن الذي ترجَّح لدَى هذه المقالة أنَّ الإيقاع الوزنيَّ أمرٌ يَكتمل به بناءُ العملِ الشِّعريِّ، وربَّما ينهدمُ بدونِه، ولكنَّـه لا أثَرَ له في بناءِ الصـورةِ الفنيَّة بحالٍ؛ فهي عالَم من المعرفةِ الذوقيَّةِ في أعماقِ الشِّعرِ، وليس للمظهَرِ الوزنيِّ أنْ يزيد في عُمقِ تأثيرها في النَّفسِ. نَعم، ربَّما يزيدُ من قابليَّةِ التلقِّي لتذوُّقِ الجمال الصوريِّ في بنائِه بمَا يُحدثُه من انطباعٍ أوَّليٍّ تجاه النصِّ، ولكن سُرعان ما يزولُ هذا الانطباعُ، أو يَثبُت لا بحسَب قيمتِه، ولكنْ بحسَب قيمةِ الصورةِ الفنيَّةِ للقصيدةِ؛ إذ ربَّما حَلَت أنغامُها مع فسادِ ما حمَلت من المعَاني، أو استُكرِهَ وقعُها في الآذانِ مع جَلالةِ ما سمَت بهِ تلك المعَاني. نعَم .. هذا ما هدَفت إليه هذه الكلمةُ مُوجِزةً جَهدَها عبرَ منهجٍ استقرائيٍّ لآراءِ العلماءِ القُدامَى والمحدَثين في محاولةٍ للاستِهدَاءِ بهم في مَجاهِل الطَّريقِ، مع وصفيَّةٍ محلِّلةٍ لهذه الآراءِ، في غيرِ تَجاسرٍ عليها. إنَّ قلَّة التناولِ لهذه القضيةِ فيمَا توافَر من المــَراجع سبَّب بعضَ الصُّعوبةِ في الوفَاء بحقِّ هذا الموضُوعِ، ولكنْ يُرجَى أنْ يُعتبَرَ هذا العملُ فاتحةَ بابٍ أمامَ الباحثينَ من النقَّاد والأدباء؛ حتَّى يُبانَ عن مَزاعمِه. هذا ما نُوصِي به مَن يأتي بعدُ؛ فإلى فقراتِ هذا المقال.