فإن القرآن الكريم كتاب الله المعجز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كيف لا؟ وهو الكتاب المعجز الذي عجز العرب على فصاحة ألسنتهم، وبلاغة منطقهم أن يأتوا ولو بآية من مثله – ولن يأتوا ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً – والسبب في ذلك الإعجاز بلاغة نظمه، وسلاسة ألفاظه، وإحكام أساليبه، واتساق إيجازه وإطنابه، وما فيه من حجة وبرهان، حتى قال قائلهم: (والله إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، ومغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته). وحق للوليد بن المغيرة أن يقول ذلك، فهو أمام كتاب الله المعجز، منهل عذب، ومعين زاخر صافٍ، (فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله فهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يَخْلَقُ عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه)، فلا (تزيد تلاوته إلا حلاوة ولا ترديده إلا محبة، ولا يزال غضاً طرياً، وغيره من الكلام – ولو بلغ في الحسن والبلاغة مَبْلَغهُ – يُمَلّ مع الترديد ويعادي إذا أعيد؛ لأن (إعادة الحديث على القلب أثقل من الحديد) كما قال السيوطي رحمه الله .ولعل أقوى دلائل الإعجاز في القرآن الكريم هو ذلك التأثير الذي يبعثه في النفوس، فإنه لا يكاد يطرق السمع حتى يخلص إلى القلب، وتجد منه النفس لذة وحلاوة.