cover

مجلة اللغة العربية للبحوث التخصصية

تعريف بالمجلة :

مجلة اللغة العربية للبحوث التخصصية تصدر عن المعهد الماليزي للعلوم والتنمية، تعنى بنشر البحوث المتخصصة بعلوم اللغة العربية وآدابها، من النحو والصرف والبلاغة والعروض والقوافي والأًصوات والألسنيات الحديثة واللهجات والخط العربي والتعريب والدراسات الأدبية والنقدية والأسلوبية.
المجلة هي منصة بحثية لرفد المكتبة العربية بمزيد من البحوث الرصينة والدراسات الجادة للكشف عن سر وأسرار هذه اللغة التي أصبحت وما تزال معجزة قائمة بغيرها متمثلة بالنص القرآني الذي لا يعلى نص عليه بأي لغة من اللغات، فالجهود البحثية في علوم اللغة العربية وآدابها والكشف عن جمالياتها قديماً وحديثاً ما هي إلا محاولات لكشف سر هذه اللغة وكنهها، لاقتناع اللغويين والأدباء قبل غيرهم بسبب وأسباب اختيار خالق اللغات جميعها لتكون العربية هي اللسان الخاتم لنبيه صلى الله عليه وسلم، ولكتابه المعجز الخالد إلى يوم القيامة.



مفهوم الإيماء عند الأصوليين


الحمد لله الذي أناط الأحكام بعللها، ورتبها عليها مراعاة لمصالح العباد تفضلا منه سبحانه وإحسانا، فهو الغني عنهم. ونصب لنا من شريعة الوحي علامات، وجعلها للألباب دالات نلحق بها المتشابهات، ونميز بها بين المختلفات، فتتبدى بذلك العبارات وتتكشف الأحكام المتفرقات. وأصلي وأسلم على سيدنا محمد بن عبد الله الداعي إلى صحيح الأقوال، وسديد الأفعال، المحكم للأحكام، والمميز بين الحلال والحرام، فصلاة وسلاما دائمين متلازمين على هذا النبي الكريم، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وذريته وأزواجه وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

فإنه مما لاشك فيه أن أهم الطرق والمسالك الموصلة إلى العلم "معرفة اصطلاحات أهله" ، والمصطلح يشكل المدخل الأساس واللبنة الأولى التي لا مندوحة عنها لتحصيل الفهم وتصحيح الرؤية، فكم نشبت من معارك واحتدمت من صراعات كان السبب وراءها عدم انقداح المفهوم المصطلحي وانجلاء صورته في الذهن. ألم ير فرعون في ربوبيته هو واتباع طريقه وتعبيد بني إسرائيل هداية لهم إلى سبيل الرشاد! "قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد"  ، لكن مؤمن بني إسرائيل أماط اللثام عن مفهوم الهداية، " وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار" .

        واصطلاحات الفنون متفرقة في غضون الكتب لا يعلمها إلا المتقنون! كما عرف عن الأصوليين عنايتهم أكثر من غيرهم بضبط المصطلحات وتحديد المفاهيم، وكان شغلهم الشاغل أن يحوطوا الحقول التي يشتغلون في إطارها بسياج قوي من الضبط وتحري الدقة في صياغة التعاريف وإزالة كل لبس من شأنه أن يحدث تشويشا على الفهم أو اضطرابا في الرؤية.

ولما كان النتاج العلمي الذي تفتقت عنه قرائح الأصوليين قد حكمته تيارات فكرية واتجاهات ثقافية ومذهبية كالتيار المعتزلي والأشعري … كان من البديهي أن يؤثر كل ذلك في صياغة المصطلح، وبالتالي يؤدي إلى وجود اختلاف في تحديد العبارات.

          فكانت مسألة التعليل والعلة من المسائل المهمة التي شغلت حيزا كبيرا من اهتمام أهل الأصول نظرا لما لذلك من الأهمية القصوى في عملية الاجتهاد وخصوصا في باب القياس. ولا ريب أن "الإيماء" مصطلح ينطوي على تعليل بوصف ينبني عليه حكم شرعي.

وموضوع "الإيماء" وثيق الصلة بمبحث دلالة الألفاظ و بمباحث العلة ومسالكها المثبتة للمناط؛ حيث إن هذا الأخير كان وما يزال محط أنظار النظار، واهتمام الأصوليين والفقهاء الكبار، حتى تشعبت مباحثه وغطت مساحة فسيحة من صلب اهتمام العلماء والباحثين. فكان -المناط- ميدانا واسعا تعددت فيه المذاهب، وتبارت فيه الأقلام؛ لأنه بلا ريب ميدان الاجتهاد الواسع، الذي جعله الشارع صمام أمان لهذا الأمة عندما تقرر في الشرع: ربط الأحكام بالعلل والأسباب رحمة بها وتوسعة عليها؛ فتتيسر بذلك عملية إلحاق الفروع والجزئيات اللامتناهية بالأصول والكليات المتناهية. ولاشك أن هذا الأمر صعب وشديد لا ينال بالهوينى ولا يدرك شأوه إلا من تصدى بإعمال قلب وقالب؛ من أهل الشأن والاختصاص لا من أهل الجمود والارتكاس.

من أجل ذلك أرى أن أتناول "الإيماء" باعتباره طريقا مثبتا للتعليل لتجلية مفهومه، وتحديد العلائق بينه وبين غيره، بله الوقوف على رؤى علماء الأصول ومواقفهم منه، وكذلك "فلا نزاع في أن لكل قوم من العلماء اصطلاحات مخصوصة يستعملونها في معان مخصوصة، إما لأنهم نقلوها بحسب عرفهم إلى تلك المعاني أو لأنهم استعملوها فيها على سبيل التجوز، ثم صار المجاز شائعا والحقيقة مغلوبة"  وإلى أي مدى يبرز أو ينحسر هذا المفهوم عندهم انطلاقا من المتعلقات وطبيعة السياقات الوارد فيها؛ إذ إن "كل مسألة مرسومة في أصول الفقه لا ينبني عليها فروع فقهية أو آداب شرعية، أو لا تكون عونا في ذلك، فوضعها في أصول الفقه عارية" .